تمغربيت:
حميد حماد*
كتب ”آلان توران” في ”ما هي الديمقراطية؟ حكم الأكثرية أم ضمانات الاقلية” فأخذت منه ما يلي:
تطورت مجتمعاتنا بفضل تحررها من غياهب الجهل والتبعية والتقاليد والحق الالهي (حكم الآلهة) بتعظيم مكانة العقل والقيمة الاقتصادية والسيادة للشعب (الديمقراطية) بحيث تم الدفع بها الى التحرر من ايديولوجيات الدول والمسلمات الدينية حتى أصبحت نفس المجتمعات خاضعة، إلى جانب قطعيات النص، لسلطان المعرفة والحقيقة ظنا بأن الحقيقة والمعرفة ستحافظ للمجتمعات على ترابطها وتناسقها المأمول.
غير أننا شهدنا عودة زمن الهواجس والمخاوف أيضا لأن الانسان صار عبدا لتقنياته ولقوته وانتقلت سلطة التبعية والتقليد الى سلطة السلطة السياسية والاقتصادية والعسكرية. الم تتحول الثورات البروليتارية لصالح الشعوب الى توليتارية شعبية أو بيروقراطيات دول؟ وتاهت المجتمعات بين البيروقراطية التبعية وتوليتاريات الدولة باسم الشعب، ومن سلطة التقليد الى سلطة شمولية باسم الشعب؟
إن بلدا مثل الجزائر تعرض الى هاته الحقيقة منذ الانقلاب العسكري سنة 1965 وظلت المعادلة بهاته الطريقة. مرجعية ثورية تمت التغذية منها لصناعة دولة تحت حكم نظام شعبوي شمولي.
فمتى تبدأ الدولة المدنية في الجزائر وتنتهي الشمولية باسم البروليتاريا الشعبية؟
في هذا السياق، لا يمكن أن تتعايش دولة مدنية مع شمولية عسكرية في قبضتها مؤسسات الجزائر. لذلك، فان الدولة المدنية في الجزائر هي واجهة وليست حقيقة منذ 1965، رغم أنها حاولت الظهور سنة 1991 لكنها وقعت ضحية تيار ديني وُوجه بعشرية سوداء عوض انتقال سياسي كان سيسمح ببزوغ نظام سياسي جديد في قلبه مدنية الدولة وعودة العسكريين الى الثكنات وترك السياسة للسياسيين ونخبها. ورغم أن الطاقة في عدة بلدان كانت نعمة إلا أنها في بلد الجوار نقمة لأنها بيد الطغمة العسكرية التي سخرتها لصيانة الشمولية باسم البروليتاريا الشعبية.
إن النظام العسكري في الجارة الشرقية يعيش على وهم “الذاكرة” ويعتبرها رصيدا ايديولوجيا للدولة العسكرية، وهي غذاءه الداخلي، ففي كل مرة هناك جوائز لشرف ”الشهداء”. أما غذاءه الخارجي فهو استهداف المغرب والاستثمار في الجماعات المسلحة لإضعاف المنطقة استراتيجيا، بالإضافة إلى إعادة اجترار خطاب المظلومية ونظرية المؤامرة كمقدمة لاستمرار مركزية العسكر في الداخل الجزائري.
*متخصص في الشؤون الأمنية