تمغربيت:
د. عبد الحق الصنايبي
يبقى الاعتراف بالذنب من شيم المؤمن الصالح، ويبقى الاعتراف بالخطأ في التقدير من أصول البحث العلمي والمصداقية الأكاديمية. وصاحب هذا القلم يعتذر لأنه أخطأ التقدير وأساء التحرير وهو ما انعكس على حسن التعبير حين تناول قضية رجوع سفير الجزائر إلى بلاد البيريني، وقلنا، آنذاك، بأن فرنسا لم تقدم أي اعتذار رسمي ولا حتى تبرير اسمي من ماكرون شخصيا على إهانته للأمة الجزائرية وتاريخها وتضحياتها. كما أن الإليزي لم يعتذر على وصفه للنظام العسكري بالتنظيم الصلب الذي يُخضع الأداة السياسية للذراع العسكري وهو ما يشكل حالة شاذة في ممارسة الحكم الذي يفرض على الآلة العسكرية أن تظل ذراع الدولة وليس رأسها.
ويبدو أن الصواب جانبنا والتقدير عاكسنا لأن نظام شنقريحة (ولا أقول تبون) قبِل من فرنسا عدم التبرير والاعتذار في مقابل إدراج نقطة يتيمة في أشغال الجمعية الوطنية الفرنسية تحت عنوان “حصيلة إجراءات فرنسا لاحترام القانون الدولي: حالة الصحراء “الغربية””، ولتذهب كرامة الشعب الجزائري إلى الجحيم ما دام بالإمكان أفضل مما كان، وما دام أنهم توهموا بأن بعض النواب سيدفعون في اتجاه دعم الأطروحة الانفصالية، عبر تنشيط نقاش حولها، وذلك بالرغم من أن الرد الفرنسي، في أعقاب المناقشات العقيمة، كان ثابتا من خلال تمسكه بالموقف الفرنسي الكلاسيكي والذي دأبت على اتخاذه فرنسا على عهد الحكومات السابقة، والمتمثل في دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي…فبُهت الذي كفر.
طبعا هذه انتكاسة على شاكلة باقي انتكاسات الكيان الوهمي وصنيعته الجزائر والتي ربطت عودة السفير بتغير إيجابي لفرنسا في ملف الصحراء المغربية، وهو ما لم يحدث ولن يحدث. فهل يتراجع شنقريحة عن قرار عودة سفيره إلى فرنسا؟ طبعا لا.
إن واقعة عودة السفير تقطع بأن النظام الجزائري يضع الشعب في ذيل اهتماماته، بل وإن علاقاته الخارجية يتم بلورتها، لا على أساس المصلحة الوطنية، ولكن على أساس موقف هذه الدول من قضية الصحراء المغربية. فأي نظام هذا؟ وهل هو فعلا انعكاس لإرادة الشعب الذي يُفترض أنه صوت على مؤسساته؟ (ولو أنه قطعا لم يصوت ولا يعترف بهذا النظام)
لقد تلاعبت فرنسا عندما دفعت بحفنة من أحفاد ”ستالين” لإثارة نقاش وسط البرلمان الفرنسي لن يغير ثابتا واحدا في السياسة الخارجية لفرنسا، والجميع يعلم، بما في ذلك الشنقريحيون، بأن المجال الدبلوماسي الفرنسي يتم تدبيره وتوجيهه من خارج أسوار الجمعية الوطنية.
طبعا تبقى التحركات الفرنسية مريبة ولا يمكن الوثوق فيها، خاصة وأنها لم تتقبل بعد أن يخرج المغرب من تحت مظلتها، فبالأحرى أن يتحول إلى قوة إقليمية تنافس القوى الكلاسيكية في المنطقة. غير أنها ليست بالغباء الذي يدفعها لاستعداء المغرب في الوقت الذي تحول فيه هذا الأخير إلى رقم صعب في تحقيق التوازنات الإقليمية وهو ما تم تثمينه وتتويجه بالانضمام إلى الحلف الثلاثي “المغرب-الولايات المتحدة الأمريكية-إسرائيل”.
لذلك فباريس تناور “في الكواليس” وتستفز “في الدهاليز” من أجل أن يستمر تعامل المغرب التفضيلي لفائدة فرنسا وهو ما لا يضمنه لها المغرب إلا إذا خرجت بمواقف صريحة تتجاوز مجرد الدعم إلى الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء. أما غير ذلك، فأعتقد، في رأيي الشخصي، أن مستوى العلاقات بين البلدين سيراوح مكانه رغم احترام الجانبين ل “الإتيكيت” الذي يفرضه التعامل الدبلوماسي بين الدول.
أما بخصوص الجزائر، فالسؤال الذي يبقى مطروحا على الشعب الجزائري، وهو الوحيد القادر على الرد عليه، هو:
“إلى أي حد سيواصل “نظام الثكنات” التضحية بأموال ومقدرات الشعب الجزائري في قضية يعلم أنه لم ولن يربحها؟ وإلى أي حد سيقبل الجزائريون باستباحة أموالهم لفائدة نزاع مفتعل ليس لهم فيه لا ناقة ولا بعير؟
دولة العسكر لاتخسر الاموال فقط بل تدوس على كرامة شعب مغلوب على امره .
شعب يبدو وكأنه منبهر من مايسميه الجيش الوطني الشعبي وسليل جيش التحرير .
عملية غسل دماغ ناجحة بكل المقاييس