';';

لماذا استقبل أردوغان “الرئيس الإسرائيلي؟.. لا يَحُدّ السياسةَ إلا “الوجودُ الاجتماعي”..

رئيس التحرير11 مارس 20227آخر تحديث :
لماذا استقبل أردوغان “الرئيس الإسرائيلي؟.. لا يَحُدّ السياسةَ إلا “الوجودُ الاجتماعي”..

تمغربيت:

محمد الزاوي*

وأخيرا سقط قناع “أردوغان وارث خلافة المسلمين”، سقط هذا القناع فعرى حقيقة السياسة، والتي لا تُرعب إلا من لا علم له ب”عالَمها”.

إن “السياسة بما هي تعبير مكثف عن الاقتصاد”، وإن “القرار السياسي بما هو انعكاس لواقع الإنتاج والاستثمار والعملة”، وإن”الموقف السياسي بما هو نتاجُ موقعٍ بعينه في ميزان قوى اقتصادي وسياسي دولي بعينه”؛ يشكل كل ذلك الخلفية المنهجية (التفسيرية) لكل باحث في “عالَم السياسة”، مهتم ب”علم السياسة” (ثنائية عالم السياسة/ علم السياسة من صياغة عبد الله العروي).

على ضوء التوجيهات أعلاه، نتساءل: ما الواقع الاقتصادي الذي دفع تركيا إلى استقبال “الرئيس الإسرائيلي”؟
يجب أن نسجل أولا:
– الاقتصاد التركي اقتصاد رأسمالي تبعي بصورة بشعة، لدرجة تداخل الرأسمالات -بين داخلي وأجنبي- داخله.
– تعثر الاستثمارات الأجنبية في تركيا، الأمر الذي حال دون تحقق المطلوب -ما تطلبه تركيا بملحاحية- منها.
– تعثر تلك الاستثمارات أغرق تركيا في ديون الشركات الأجنبية، حتى كادت تصبح مطارات وطرق وجسور تركيا بنى على “وديان” من الديون.
– تعثر الاستثمارات التركية أدى، أيضا، إلى سقوط تركيا بين فكي التضخم، إذ لم تجد ما تعوض به خصاص خزينتها، بعد أن استنزفتها استثمارات لم تنجح كما كان متوقعا.
– ارتباط العملة التركية بالدولار، وارتباط البنك المركزي التركي بصندوق النقد الدولي، الأمر الذي يجعل تركيا خاضعة للابتزاز الأجنبي.
– المواقف السياسية لتركيا، خاصة تلك المتعلقة بشمال إفريقيا والمشرق العربي، وضعتها في شبه عزلة، وجعلت منتوجاتها في وضعية حصار -أو شبه حصار- تسببت فيه دول عربية مصالحها على النقيض من مصالح تركيا في المنطقة، أو لنقل: على النقيض من تلك المصالح في شرط بعينه، على الأقل.
… إلخ.

وبالتالي، فبقدر ما تجد تركيا نفسها مضطرة للاستمرار في خطها السياسي والإيديولوجي الذي أنتج تركيا الجديدة، بالتنسيق مع طرف داخل الولايات المتحدة الأمريكية؛ قلتُ: بقدر ما هي كذلك، بقدر ما هي مضطرة للبحث عن سبل استقلالها اقتصاديا، وبالتالي سياسيا.

إنها تعيش بين خيارين:

– أحدهما تكتيكي (يميل إلى المناورة أحيانا): حيث تحاول تركيا أن تحقق بعض المكاسب من خلال علاقتها بالأمريكي، على أمل أن تتحرر من هذه العلاقة بتوفر شروط ذلك. في حين يريدها الأمريكي جزءا من استراتيجيته ليس إلا، ويعمل على ترويضها ومحاصرتها كلما حاولت العكس.

– والثاني استراتيجي: حيث تعلم تركيا أن بروزها كقوة دولية لن يتحقق مع الأمريكي، فتعمل على ربط علاقات بقوى هي على النقيض منه -كالصين وروسيا-، كما تعمل على لعب أوراق جديدة عكس الأوراق التي يريدها الأمريكي في علاقتها بدول المشرق العربي (أو لنقل: عكس ما يريده طرف داخل و-م-أ).

وهكذا، فإن استقبال “الرئيس الإسرائيلي” في أنقرة يدخل في إطار الخيار الثاني. وكأن تركيا تسير على خطى الإمارات العربية المتحدة، بعد شهر -تقريبا- من استئناف العلاقات الودية بينهما.

إن تركيا التي عارضت “صفقة القرن” بشدة، وشجعت مخطط “الفوضى الخلاقة” في الوطن العربي على النقيض من سيادات دوله، ودخلت في خصومة مع السعودية وترامب؛ هذه الدولة -تركيا- بالذات هي التي أصبحت أقرب إلى نفي كل مواقفها السابقة، في شروط تاريخية جديدة.

العالم يتغير، ولن ينتظر تركيا. تضطر للمناورة، ولكنها تعلم أن المناورة لا تدوم. تعلم أن المستقبل لن يكون للطرف الذي وظفها -وما زال يفعل ذلك-، فتحاول الانفلات منه. إلا أن بعض أوراقها، وربما بعض أوراقها المهمة، ليست بحوزتها، بل بحوزة ذات الطرف. تريد هي أن تفر قبل أن تهلك، فيضغط هو بتلك الأوراق لتهلك بهلاكه، أو على الأقل ليستغلها أكبر قدر ممكن، فيتركها جسما مريضا لا يقوى على الحركة.

هذا هو سر تناقض المواقف التركية مؤخرا، وهذا هو تفسير النشاط الاستثنائي لدبلوماسيتها بالموازاة مع الأزمة الروسية الأوكرانية! إنها تريد الانفلات من عنق الزجاجة، لتجد لها موطئ قدم في عالم جديد هو في طور التشكل. هذه، ربما، هي حقيقة المواقف السياسية التركية الأخيرة!

أدلينا بالتحليل، أعلاه، لنقول ل”الإخوان المتيمين بالأردوغانية”:
إنها تجربة سياسية، قد تفشل في رهاناتها، وقد تنجح!
قد تكون أبشع مما نتصور، فيما أحدثته في الوطن العربي، وفيما ستؤول إليها في عالم المستقبل.
إنها، على الأرجح، لن تكون أكبر شأنا من الدول المركزية في الوطن العربي: المغرب، مصر، السعودية… الخ.

*باحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.