تمغربيت:
لم يخطئ محمد عابد الجابري عندما قسّم السلفية إلى سلفيات، سلفية دينية وسلفية ليبرالية وسلفية ماركسية. فهناك “يساريون” لا يختلفون عن “السلفيين” في تصورهم للوقائع والأحداث، وفي قراءتهم لواقعهم المركّب.
حولوا اليسار إلى معبد تتلى فيه أوراد واحدة، “لا يزيغ عنها إلا هالك”. مرجعية اليسار عندهم مُثُل “غيفارية”، لا تحليلا ماركسيا يتأسس على “المادية الجدلية” و”المادية التاريخية”. ماركسيتهم سلفية لا علمية، تعجز عن فهم الواقع الملموس أمامها، فتمارس الإسقاط بدل التحليل.
تتأكد هذه الصورة مع عدد من رموز “اليسار”، وزادها رئيس “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، عزيز غالي، بروزا في حوارٍ أجْرِي معه مؤخرا. يقْسِم المجتمع المغربي نصفين: مَن مع الشعب، ومن مع المخزن…ثنائية كافية لتحديد الطابع التبسيطي في تفكير غالي، الابتذال في فهمه للواقع والتاريخ المغربيين، تموقعه ما قبل “الوعي الجدلي”.
يغيب عن ذهن غالي أن “المخزن في الشعب” و”الشعب في المخزن”. ويغيب عن ذهنه “المخزن المناضل” و “الشعب المخزني”، ولا يعرف معنى ل”الماركسية الموضوعية للدولة” (عبد الله العروي، الإيديولوجيا العربية المعاصرة)، وتستعصي عليه نظرية التاريخ (الوعي بضرورة الحرية). ويهمه النطق بالمبدأ أكثر مما يهمه البحث عن الشروط الموضوعية لتحقيقه، ولا يستطيع استيعاب “تحول المطالبة بالديمقراطية إلى معول في يد الأجنبي”… الخ.
رجل كهذا مطالب بالتواضع، وتصحيح علاقته بالمرجعية التي يدّعيها، فاليسار ليس مثلا تتلى…اليسار منهج تحليل يستعصي على من عرَف “غيفارا” قبل أن يعرف “هيجل”. هذا هو المطلوب من غالي…بدل توزيع “صكوك النضال يمنة ويسرة”.
مواقفه من وهبي ولشكر وبنعبد الله؛ تكفي لمعرفة أي يسار يؤمن به غالي، إنه اليسار الذي يدّعي ما ليس له…يملأ الدنيا ثرثرة وكلاما ليجد نفسه في نهاية المطاف جزءا من البنية. مفارقة مضحكة، تعيد للأذهان قصة “فين وذنك أ جحا”.
المناضل مطالب ببذل القدر الكافي من اللباقة عند الحديث عن مسؤولي الدولة، وزراء وغير وزراء. وهو مطالب أيضا باحترام مؤسسات دولته ومسؤوليها، كما يحترم المؤسسات والشخصيات الدولية وأكثر. فلا يستقيم في “قيم اليسار” أن يصبح المناضل جزءا من “استراتيجية العولمة”، ويحسب أنه يحسن صنعا.