تمغربيت:
الحسن شلال*
حلقة ثالثة – لاوجود لجبهة موحدة ولا لجزائر موحدة –
أهمية الموضوع :
تستمد الوثيقة اهميتها من صاحب المذكرات سعد دحلب؛ الذي كان شاهدا على العصر في فترة حرب التحرير. ومشاركا أساسيا في مفاوضات ايفيان وغيرها، وفاعلا في تشكيل الحكومات المؤقتة..الخ.
كما أن الوثيقة ذات اهمية قصوى لما تحتويه من تأريخ وتوثيق لفضائح تاريخية ارتكبها “”مجاهدوا” الداخل والخارج في حق الجزائر. من خلال شهادات القيادات الجزائرية في الصفوف القيادية الأولى او العليا.
في البداية.. لاوجود لجبهة موحدة ولا لجزائر موحدة
مذكرات سعد دحلب (المهمة منجزة من أجل استقلال الجزائر Mission accomplie ) اصدار 1986. يبدؤها الدكتور عبد الحق الصنايبي بالتذكير بوجود تيارين متطاحنين فيما بينهما من أجل السلطة:
تيار يمثل الحكومة المؤقتة الحاكمة للجمهورية الجزائرية. المتحكمة في مجموعة من الولايات منها الولاية 2 و3 و4. بحيث كانت تعيش الجزائر بعد الاستقلال مباشرة على وقع نظام الولايات المتفرقة بحكمها واستقلاليتها المطلقة وحدودها الخاصة بعيدا عن حكم المركز والعاصمة والحكومة.
وكأن الجزائر كانت عبارة عن إمارات مستقلة او دويلات داخل دولة .. وبالتالي حتى مفاهيم الوطن والمواطنة كانت غائبة تماما عن المشهد السياسي ما بعد الاستقلال les notions de citoyenneté et de patrie
الاعتراف بالفشل…
سعد دحلب يعترف بفشل توحيد الصف والحركات الجزائرية على اساس الوطنية والانتماء الوطني. الأمر الذي استدعى الزعامات للاستنجاد ب/واللجوء إلى، الانتماء الديني الإسلامي باعتباره الأرضية المشتركة لتوحيد الجزائريين. فاتخذت الجبهة الدين وسيلة مكنها من الظهور ككيان موحد غير قابل للتجزئة.
فهذا المعطى الديني المتمثل في الاسلام هو ما كان يميز الجزائريين (الفرنسيين جنسية) عن المستعمر (الفرنسي انتماءا وهوية). إنها لشهادة صادمة ومعطى غاية في الأهمية تظهر مدى الفراغ على مستويات الشخصية والهوية لدى الجزائريين (بعد قرون من التحكم التركي والاستعمار الاستيطاني الفرنسي).
فراغ هوياتي وتاريخي وثقافي يقابله غربا ما يعرفه العالم عن الهوية والشخصية والثقافة والحضارة بل والفرادة المغربية ممتدة لقرون. كمملكة ودولة أمة لأكثر من 12 قرنا. وأقدم مملكة مستمرة ليومنا هذا في العالم..
هذا الفراغ الهوياتي نجده فيما عبر عنه سعد دحل في حوار صحفي ل Afrique Action ب (كنا مجهولين حتى لدى أشقائنا العرب) .. كما نجده يقول ” فالإسلام يشكل الخاصية مع التعددية الوحيدة التي تميزنا عن المحتل الأجنبي”.
فلا وجود اذا لهوية ومواطنة وشخصية جزائرية بل نحن امام فرنسيين تابعين لفرنسا “تجنيسا”. كما كانوا من فبل اتراكا تابعين للسلطنة العثمانية. وكما كانوا من قبل مغاربة تابعين للمرابطين المغاربة ثم الموحدين المغاربة ثم المرينيين المغاربة.
ولولا الإسلام كمعطى مقابل للوطنية او القومية،كما يقول ويؤكد دحلب، لما تميزوا عن الفرنسيين العجم او الفرنسيين المسيحيين.
هنا .. دكتورنا الصنايبي، سينتزع بعض عبارات دحلب مستغربا (في 11ديسمبر 1960 بالجزائر”المدينة” مظاهرات السكان المسلمين)..(لقد كانت حصيلة تظاهرات السكان المسلمين ديسمبر 1960 تعد ب112 قتيلا و مئات الجرحى). ليخلص بالنتيجة مفادها ان مفاهيم من قبيل مواطن ومواطنة وهوية جزائرية لم تكن موجودة في قاموس قيادات او عامة الجزائريين. بل لم يكن لها وجود حتى في العقل والوعي والعقل الباطن لدى الجزائريبن.
والحال..والحال أنهم كانوا فرنسيين مسلمين لايميزهم عن المستعمر الفرنسي غير الإسلام. وهذا ما يتناغم مع كلام ديغول والمؤرخين الفرنسيين والفرنسيين عموما.
وهو هو ماصرح به قبل أشهر كلا من ماكرون ومارين لوبين وايريك زمور و المؤرخ الفرنسي لوغان وغيرهم كثير كثير في نفي تام لوجود شيء اسمه الشعب الجزائري…والدولة الجزائربة والتاريخ الجزائري. حتى ان الجزائر بما فيها ومن فيها، برئيسها و مثقفيها لم يستطع منهم أحد الرد عليهم لتفنيد هكذا حقيقة تاريخية.
ولعل ماجاء في خطاب ديغول يلخص ما اسلفناه. يقول دحلب :
(في:4/11/1960 ..خطاب جديد للجنرال ديغول الذي يعلن ان الجزائر سوف تكون لها قوانينها الخاصة. سوف تقوم الجمهورية الجزائرية يوما ما مع أنها لم تكن موجودة أبدا”.
دكتورنا الصنايبي – في لفتة لطيفة أو ضربة معلم – ينقلنا من مذكرات دحلب الى مذكرات برباروس في نقلة خاطفة وسريعة عبر الزمن. من 1962 إلى 1816 وشهادة عروس بارباروس مالك وباشا الجزائر ( كانت مجرد مجموعة من الإمارات و المملكات المتفرقة في غياب دولة اسمها الجزائر.. مثل تلمسان- جيجل – بجاية – ورقلة – قسنطينة ..).
اذا هي اللامركزية مقابل الدولة ومركزية الدولة…ولايات مختلفة ومتخالفة فيما بينها على مستوى الحدود والجغرافيا ونمط العيش والقوانين والنظام او اللا نظام العام ..دول وامارات وولايات داخل شبه دولة.
الجزائر لم تكن لها يوما سلطة مركزية…
فيرجع بنا الشارح الصنايبي مباشرة وبسرعة مرة أخرى إلى سنة 1962.. وعبارات دحلب: “كل الظروف الملائمة لحدوث كارثة مثل هذه كانت متوفرة.. بالولايات التي اكتظت فجأة بآلاف المجندين الجدد وكثرة السلاح كانت غيورة على حدودها الترابية. وتدعم الحفاظ على استقلاليتها فكانت كل منها تفرض سلطتها المطلقة على ترابها).
ليخلص الدكتور ونخلص معه بان جزائر 1816 وما قبلها هي هي جزائر ستينيات القرن العشرين ..لاوجود لدولة مركزية ولا أمة ولا وحدة ولا هوية ولا شخصية. بل إمارات و ولايات ودويلات داخل “شبه دولة” غير متحكمة في شيء من جغرافيتها وشعوبها وقبائلها..
ويؤكد دحلب هذا المعطى التاريخي الملازم للجزائر منذ قرون وقرون (اللا دولة). هذه المرة على لسان بن خدة : الولايات في الجزائر كانت مستقلة استقلالا تاما. فلا وجود لدولة مركزية ولا حكومة مركزية معترف بها من طرف الحميع ولا ولا ولا. فكل عقيد او كولونيل مستفرد بولاية مرقمة (إن الصلاحيات ذات المستوى الوطني والتي لا زالت في ايدي الهيئات المركزية كالهيئة التنفيذية المؤقتة هي دوما محلا للتقليص والمعاكسة بصلاحيات ممثلة على المستوى الجهوي.
نمو ذهنية الاستقلال الذاتي…
وينجر عن هذا تدعيم للكيان الجغرافي الذي يؤدي الى نمو ذهنية استقلال ذاتي على كل المستويات تقريبا. أليس من المؤسف على الجزائري الا يستطيع العبور من ولاية إلى أخرى. وحتى من جهة الى اخرى دون صعوبات جمة وكأن الأمر بمثابة العبور من بلد إلى آخر؟.
أليس بالأمر المزعج ان نلاحظ ان بين هذه الكيانات الجغرافية علاقات جوار ليست هي دائما بالسليمة ؟ أليس بالأمر المحير ان نلاحظ وجود اختلافات فعلية في اختلاف وجود الفرد في المكان هذا او ذاك؟. فالكيانات او الولايات تختلف في الحدود والقوانين ونمط العيش ووو وبالتالي عيش الأفراد في هاته الولاية يختلف تماما عنه في ولاية اخرى على حميع المستويات.
أما المركزية فيما بعد وبناء الدولة يقول دكتورنا تم فرضها فرضا قسريا من خلال الاغتيالات فيما بين الأجنحة الجزائرية.
والأمثلة كثيرة “اغتيال العقيد شعباني وسجن الحسين آيت احمد وإعدام العقداء فيما عرف بانقلاب العقداء المسكوت عن ملفهم أو قصتهم”..الخ.