تمغربيت:
الصادق بنعلال*
بسم الله الرحمن الرحيم أيتها المواطنات أيها المواطنون، أصالة عن نفسي ونيابة عنكم، أتقدم بأحر التعازي وأصدق المواساة لكل أفراد أسرة الطفل المغربي ريان، داعيا الله جلت قدرته أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
لقد أمضينا خمسة أيام ونحن نتابع بألم وحسرة الحالة المأساوية لهذا الطفل العالق في قاع بئر عميقة، مما حرك في جوانحنا ألوانا من الشجون وضروبا من المشاعر العربية والمغاربية.
وكما في علمكم مرت الجزائر الحبيبة في الأشهر الأخيرة بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة، أقلها تأثيرات وباء كورونا المستجد والحرائق الغابوية التي أصابت أعز قطعة من ترابنا الوطني العزيز، دون الحديث عن مشاكل ذات الصلة بالحراك الشعبي الذي قد يعود في أية لحظة للمطالبة بالحق في الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية…وما يلزم ذلك من اجتهاد أمني صعب ومكلف، وفي جميع الحالات فإننا معتادون على مواجهة الصعاب بمختلف تجلياتها ..
أيتها المواطنات أيها المواطنون،
لا يخفى عليكم الوضع المأساوي للعلاقة القائمة بين الدولتين الشقيقتين الجزائر والمغرب، وهو وضع أليم ورثناه عن مسؤولين سابقين نحن – أنا رئيس الجزائر عبد المجيد تبون و ملك المغرب محمد السادس لسنا بالمرة طرفا فيه، وما من شك في أننا لم نجن من هكذا وضع بالغ التوتر إلا الخصومة غير المجدية وإيقاف التنمية وقطع صلة الأرحام وإضاعة فرص كثيرة، كان من الممكن أن تجعل الشعوب المغاربية بين أحضان التقدم والرقي والازدهار.
وفي السياق لا أحد منا يرضيه هذا الواقع المرفوض إقليميا ودوليا. ومن جهتنا فإننا نسعى جاهدين لإيجاد حل للمشاكل العالقة مع جيراننا المغاربة، إذ لم تعد الوسائل التقليدية المعتادة من قبيل تكوين اللجان والهيئات المختصة والوساطات…قادرة على تجاوز المعيقات واقتراح الحلول، ولا أدل على ذلك أن اشتراط رئيسنا الراحل عبد العزيز بوتفليقة تشكيل لجان لدراسة كل المشاكل المتعلقة بالأزمة الجزائرية المغربية، من أجل إعادة العلاقة والتطبيع الشامل وفتح الحدود.. قلت هذا الاشتراط باء بالفشل الواضح رغم مرور أكثر من عشرين سنة على البوح به.
وتحت وقع هذا العامل المحزن قررتُ أيتها المواطنات أيها المواطنون أن أغير قواعد اللعبة السياسية، وأستعمل ما يمكن تسميته ب”كونطر خطة”، فعوض الاقتصار على التواصل مع مسؤولي الدول البعيدة عن فضائنا الجغرافي ولو كان هذا من حقنا، فضلت ولأول مرة أن أتصل مباشرة وعبر الهاتف مع جلالة الملك العاهل المغربي محمد السادس، لأعرض عليه وجهة نظري حول دعوته لنا “للعمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار. ذلك، لأن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول. فقناعتي أن الحدود المفتوحة، هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، و شعبين شقيقين”، على أساس مقاربة دبلوماسية متوازنة راجحة: للمغرب الحق في الدفاع عن مصالحه الحيوية وعلى رأسها الوحدة الترابية وسيادته على الصحراء الغربية المغربية، لكن دون أن يتدخل في شؤوننا الداخلية المقدسة وتحديدا الوحدة الوطنية، ونحن بدورنا كجزائريين من واجبنا الذود عن مبادئنا ومواقفنا الداعمة لاستقلال الشعوب، لكننا سنعيد تقييم مسألة تأييد جبهة البوليساريو الانفصالية وتكييفها مع ما يخدم المصالح الاستراتيجية العليا للجزائر، لأن الحروب الطويلة هي حروب خاسرة بالضرورة.
وأعتقد حان الوقت للتوقف بشكل مطلق عن إمداد الجبهة بالسلاح والتدريب والمال، ونمنع الوسائل الإعلامية الورقية والإلكترونية، والقنوات التلفزيونية والإذاعية من الاستهداف الكيدي للمغرب الشقيق بمناسبة ومن دون مناسبة، وخاصة وكالة الأنباء الجزائرية التي أضحت مثار سخرية واستهجان عالميين كما هو في واسع علمكم.
وأخيرا وليس آخرا، أعلن تضامني الصادق مع الشعب المغربي الحر، الذي رسم بدمائه الزكية ملاحم الحرية والاستقلال جنبا إلى جنب المقاومين الجزائريين الأبطال أثناء حرب التحرير، قلتُ أعلن تضامني معه في محنة الحرائق الغابوية التي ألمت بمدينة شفشاون الزاهية في الصيف الماضي، وهي نفس المحنة التي واجهتها دول كثيرة منها فرنسا وإيطاليا واليونان وإسبانيا وتونس والجزائر طبعا.. بتأثير عوامل التغير المناخي الذي يؤرق البشرية جمعاء.
فعسى أن تصفو القلوب وتتآزر النفوس وتعلو الهمم، لما فيه الخير والنماء والاستقرار للشعبين التوأمين الجزائري والمغربي. ولا يسعني إلا أن أنهي خطابي هذا بقوله جل وعلا: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته! واستيقظت على إثر هذا الحلم الوارف لا أصدق نفسي، هل أنا في دنيا الواقع الأليم بالغ العناد، أو في دنيا الخيال والحلم في زمن الوهم!؟
*إعلامي وباحث أكاديمي