';';

الكتابة للأطفال رهان ثقافي رفيع: عن قصة “الطفل المتشرد” للأديب مصطفى الغتيري

الصادق بنعلال5 مايو 20221آخر تحديث :
الكتابة للأطفال رهان ثقافي رفيع: عن قصة “الطفل المتشرد” للأديب مصطفى الغتيري

تمغربيت:

الصادق بنعلال*

كثيرة هي الإبداعات الأدبية الشعرية والنثرية التي أنشئت “خصيصا” للكبار والراشدين عالميا وعربيا/ وقليل منها أنتج للأطفال الذين هم في أمس الحاج إلى كتابات فنية تأخذ بعين الاعتبار أفق انتظارهم المعرفي والتربوي والنفسي والاجتماعي. إذ لا يمكن بحال من الأحوال مخاطبة المستويات العمرية بنفس الرؤى والمنطلقات المضمونية والتقنية.

وقد شهد الأدب المغربي منذ ما قبل الاستقلال عناية لا بأس بها بالطفولة على مستوى الصوغ الأدبي، وتألقت بعد ذلك أقلام وطنية تشدو بأناشيد البراءة والمحبة والأخوة في شكل قصص لا تخلو من متعة وفائدة، من بين هذه الأقلام الوارفة أذكر على سبيل المثال لا الحصر أحمد عبد السلام البقالي ومحمد إبراهيم بوعلو ومحمد الصباغ.

مسارات الإبداع السردي:

بيد أن المسار الذي اتخذه الإبداع السردي تحديدا الموجه للأطفال لم يعرف طفرة تصاعدية إيجابية، بقدر ما عرف التواءات وتراجعات. مما يحدو بالمهتمين بالشأن الثقافي والأدبي إلى طرح جملة من الأسئلة والملاحظات الكفيلة بإعادة النظر في هذا الموضوع بالغ الأهمية.

وفي كل الأحوال تغمرنا الفرحة الكبرى وينتابنا إحساس غامر بالرضا حينما نعثر على إصدار جديد أو عمل أدبي أصيل متفرد يعانق الطفولة. ويحتفي بتطلعاتها وآمالها.

وفي هذا السياق تندرج قصة “الطفل المتشرد” للأديب المغربي المجتهد مصطفى الغتيري، الذي يستحق منا عناية وحدب كبيرين بفضل ما تشمل عليه قصصه الكثيرة والممتعة من رؤى وأدوات جمالية محكمة

البناء، ولعل ذلك يحصل قريبا.

تتمحور هذه القصة الموفقة حول فتاة صغيرة التلميذة زينب، التي أثار انتباهها صباحا طفل “يكاد يقارب عمرها متكوم على ذاته في حالة بئيسة”. وهي متجهة إلى المدرسة، مما جعلها تعيش وضعا نفسيا متأزما يحيل على الألم والحزن والأسى. والرغبة الجامحة في تقديم يد المساعدة لهذا الطفل البريء بغية إنقاذه من مخالب الضياع والتشرد. وإلحاقه بملجئ يكفل له الأمن والغذاء والتعليم.

كل ذلك بمساعدة القوى الفاعلة المشجعة من الأم والأب والمعلمة. وخلال المقاطع السردية لهذا النص الحكائي الجميل، نعثر على صور سردية متوازنة. صورة حافلة بمكونات الحوار والأحداث المتعاقبة مع استحضار ملائم لتقنيات الاسترجاع والاستباق والحبكة والشخصيات. وقيم تربوية متضمنة، نستشفها من البناء الفني السياقي للقصة من قبيل:

– انتبهت إلى كيس صغير عبارة عن مغلف لإحدى الحلويات التي يستهلكها الأطفال، مدت يدها نحوه، احتفظت به في يدها حتى رأت صندوق قمامة فرمته هناك

– قضت زينب يومها مضطربة تفكر في ذلك الطفل المسكين، وهي عاجزة عن تقديم يد المساعدة له

– لا تحزني زينب.. شعورك هذا نبيل، ولكل مشكل حل

– هناك ملاجئ خاصة لهؤلاء الأطفال، وقد يساعده أبوك في دخول أحدها.

– أنا فخور بك لأنك تفكرين في سعادة الآخرين ويهمك أمرهم..

جميل أن يسبح أطفالنا في مثل هذا المحيط من القيم الإنسانية البناء والمعالم الخلقية الرحبة، المصاغة في أسلوب أدبي بسيط، بعيد عن أي تعقيد أو تصنع غير ملزمين لفئة عمرية بالغة التميز. ما أحوج مقرراتنا التربوية في مستوياتها الأولى، إلى مثل هذه الإبداعات الأدبية المشرقة التي تخاطب الأطفال انطلاقا من إمكانياتهم اللغوية والشعورية والبيداغوجية والمعرفية. فما أكثر النصوص الجمالية المثمرة! وما أقل ما يتناغم مع مواصفات الأطفال و أدبيتهم المخصوصة!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.