تمغربيت:
مصطفى البختي*
في رسالة صادرة بتاريخ 6 يناير 1886 عن الوزير الفرنسي للخارجية “دوكليرك Duklerc” إلى زميله وزير الداخلية ارمان فاليير Armand Fallieres. تعرض فيها إلى الحدود بين الجزائر الفرنسية و المغرب المستقل آنذاك أي الامبراطورية الشريفة. حيث قال” إن الحكومة الفرنسية من مصلحتها الاعتماد على النظرية المعروفة التي تتمثل في أن أفضل الحدود هي الحدود الغير المحددة مع جيران الجزائر الفرنسية”.
التكتيك الحدودي الفرنسي:
إن هذه النظرية منحت لفرنسا الاستعمارية امتيازين مزدوجين؛ الأول يتمثل في اجتناب مشاكل السيادة مع الجيران. والثاني مهد لها إقامة قواعد محتملة للتوسع الفرنسي في اتجاه المغرب وليبيا وتونس ودول الساحل.
في هذا السياق، تؤكد المعطيات الجغرافية لمنطقة توات، مثلا، أنها محددة في الشمال من تديمايت و موازية لوادي الساورة Saoura. فهي منطقة تتكون من العديد من الواحات والقصور( قرى صغيرة). وأهمها واحة اتوات وواحة تيديكلت، وواحة كورارة وواحة عين صالح وواحة اليزي وقصر تيميمون وواحة المطارفة، وواحة انتيمي، وواحة بندا، وواحة عين الغار.
إنها منطقة ممتدة على مسافة تقدر ب 250 كلم طولا، حيث تخترقها العديد من الاودية القادمة من المغرب كوادي كير ووادي زوزفانة. فهذه الواحات تتوفر على مياه جوفية كبيرة تغدي منطقة الساورة بأكملها.
أهل توات والساورة:
لهذا السبب فكر سكان توات و الساورة ومنذ القدم في طرق عملية تقليدية لاستغلالها. مما مكنهم من البقاء والتحضر وزرع أراضي قاحلة. وكما جاء في التاريخ فإن القبائل المغربية الأصل و التي أهمها، قبائل ذومنيع، لعمور، لغنانمة، ازغامرة، اولاد جرير، اشعامبة، عاشت من خلال الزراعة وتربية المواشي.
هذا الرخاء و الاستقرار توفر بسبب غنى الصحراء الشرقية المغربية بالمياه الجوفية والمعادن المختلفة، كالفحم الحجري في القنادسة والصفاية وكسيكسو و الغزاريف. أما المنغنيز والرصاص فهما موجودان في جبل كطارة. والحديد فنجده في غارات الجبيلات بضواحي تندوف. إضافة الى ما تزخر به من نفط وغاز- مصدر ثروة الريع الدي يقيم الجزائر حاليا ولم يقعدها ويجعلها تركب جناح الغرورفي مواجهة المغرب.
إن هذه الواحات من منطقة الساورة وعاصمتها بشار و تمتد إلى ولاية تندوف، لم تصلها السيطرة العثمانية بتاتا. بالرغم من محاولات العثمانيين العسكرية المتكررة التي قام بها البايات و الديات و الاغاوات les Bey –Dey- les Agha ( -Caids-Pachas-Gouverneurs-et Walis او ما يعرف بالمغرب). زالذين كانوا متمركزين في مدن شمال الجزائر. كل الصحراء الشرقية الواقعة الآن تحت السيطرة الجزائرية كانت تحت الحماية والسيادة المغربية، فالإدارة المغربية كانت حاضرة وبقوة في المنطقة منذ الامبراطورية الادريسية.
تفاعل المغرب مع بداية التوغل الفرنسي:
عندما دخلت فرنسا إلى الجزائر، أرسل المغرب وحدات عسكرية لقطع الطريق أمام المعمرين الفرنسيين الزاحفين على الواحات المكونة للصحراء الشرقية المغربية. أما إذا عدنا إلى الأسس والروابط التاريخية بين الامبراطوريات المغربية المختلفة والقنادسة وتوات والساورة وكل قبائل المنطقة. فلقد قام الشريف الإدريسي مولاي سليمان في منتصف القرن الثاني عشر الهجري حوالي 1750 م بإنشاء العديد من القصور. أهمها قصر أولاد اوشن، حيث دفن فيه و أصبح ضريحه يزار إلى الآن. أما المرابطون والموحدون فقد نشروا فيها عقيدتهم وثقافتهم واقتصادهم وحتى سلوكهم المغربي. حتى أصبحت جهة اتوات نقطة ارتكاز و انطلاق لهذه الامبراطوريات نحو السودان الغربي.
من جانبهم جاء المرينيون بنظام إداري و اقتصادي محكم، نظم المنطقة ودعم روابطها بين مدن فاس ومراكش وسجلماسة كمراكز موجودة في المغرب. وأما احمد المنصور السعدي، فقد عين سنة 1590 الحاج جدور (أو جودار) باشا على تومبوكتو وقواد على توات والقنادسة.
الإمبراطورية العلوية الشريفة:
أما الامبراطورية العلوية الشريفة، فقد استمرت ولايتها على المنطقة إلى غاية دخول الاستعمار الفرنسي الجزائر سنة 1830 في المرحلة الأولى. و في سنة 1903 حين احتل الصحراء المغربية الشرقية بكاملها كمرحلة ثانية. وفي هذا السياق، لا ننسى دور الزوايا في الصحراء الشرقية الذي كان هو الآخر أساسيا وجوهريا. فشرفاء وزان كان لهم ممثلون محليون لجمع الهدايا في المنطقة و ذلك لحساب الزاوية القادرية بفاس.
لقد تأسست بالصحراء الشرقية الزاوية البكرية نسبة لمؤسسها المغربي محمد البكري ( 1618). كما أقامت الزاوية الشادلية مراكز مهمة لها في تندوف و بني ونيف وكرزاز. فالزوايا المغربية لعبت دورا دينيا وسياسيا مهما واستراتيجيا في الصحراء الشرقية خاصة منها زاوية كرزاز وزاوية لقنادسة. سواء في نشر تعاليم الإسلام والدفاع عن المنطقة تحت إمارة المؤمنين سلطان الامبراطورية العلوية الشريفة التي تقوم بتدبير شؤون الصحراء الكبرى، سواء الشرقية منها أو الغربية، والتي كانت تحت نفوذها و سيادتها السياسية..يتبع