';';

السيدة الحرة حاكمة تطوان وسيدة التحالفات السياسية (1)

رئيس التحرير3 مارس 202224آخر تحديث :
السيدة الحرة حاكمة تطوان وسيدة التحالفات السياسية (1)

تمغربيت:

مصطفى البختي*

تعتبر السيدة الحرة (1542-1485)؛ من أهم الشخصيات في التاريخ السياسي المغربي. عُرفت بالعلم الغزير والذكاء الحاد والحنكة السياسية وبرعت في اللاهوت والرياضيات. تربت “السيدة” على أيدي خيرة حكماء ومفكري مدينة تطوان؛ و أشهر العلماء ورجال الدين بشفشاون وهو ما جعلها تملك زمام السلطة في وقت من الأوقات.

تميزت هذه الشخصية المغربية بالريادة ووضعت بصماتها في تاريخ المغرب العريق، ولُقبت ب “أميرة الجهاد البحري”، لما عرف عن قوة شخصيتها التي جمعت بين الثقافة الأندلسية وخصائص المنطقة الجبلية بين شفشاون وتطوان؛ مما جعل منها رمزا للجهاد البحري وتدبير الحكم.

وُلدت السيدة الحرة بمدينة شفشاون شمال المغرب في العام 1493 (899 للهجرة). وهي بنت علي بن موسى بن راشد بن علي بن سعيد بن عبد الوهاب بن علال بن السلام بن مشيش العلمي؛ الذي تحول إلى أمير مستقل عن سلالة الوطَّاسيِّينَ في فاس، مؤسساً لدُويلة بمدينة شفشاون. أما أمها فهي لالة زهرة فرناندث المورسكية من منطقة خيريز دِي لَا فْرُونْتِيرَا (قادس).

سهّل ذكاؤها الحاد حصولها على ثقافة غزيرة ساعدتها على كسب دراية بفنون إدارة الدولة ومواجهة الخصوم والأعداء، ما ساعدها على دخول غمار السياسة، وهم ما لم يكن معهوداً في المشهد السياسي للحكم في المغرب. وعلى الرغم من التحفظات الفكرية والاجتماعية والثقافية على تولي المرأة الحكم أو التدخل في تدبير شؤون الدولة إلا أن “السيدة الحرة”، كانت من أهم النساء في تاريخ المغرب العريق؛ وباتت حاكمة لتطوان لاكتسابها خبرة في الحكم وحنكة سياسية إلى جانب حكمتها وحسن تدبيرها؛ فنجحت في توطيد حكمها في تطوان وأمنت المدينة عسكرياً.

* السيدة الحرة: الحاكمة التي جمعت بين التحالفات وامارة الجهاد البحري:

تزوجت السيدة الحرة من القائد المنظري بتطوان سنة 1510 (916 للهجرة)، وكان الزواج على شكل عقد تحالف سياسي بين إمارة شفشاون؛ (التي تعتبر معقل الجهاد تتجمع في حصونها أجهزة النضال الذي أقضّ مضاجع الإيبيريين)؛ وقيادة تطوان؛ (التي تميزت في خوض معارك بطولية ضد الإسبان)، لأجل تقوية التحالف وجبهة الدفاع ضد الاطماع الإيبيرية ومواجهة تهديدات البرتغاليين التي كانت تخيّم على شمال المغرب.

وبسبب نضجها وحنكتها أصبحت مستشارة زوجها في شؤون الحكم والقضايا الدبلوماسية وأمور السياسة والحكم، وتمكنت من تولي بعض الأحكام أثناء غيابه؛ فكانت تتولى الحكم المباشر لتطوان كلما خرج زوجها المنظري لخوض إحدى معاركه المتكررة ضد الأوروبيين الآخذين في التوغل في الأراضي المغربية، انطلاقا من سبتة شرقا وطنجة غربا. وهو ما زاد من درايتها بدهاليز السياسة وطريقة التعامل مع الناس.

ستكتسب السيدة الحرة خبرة وتجربة سياسية مهمة أثناء حكمها الفعلي بعد وفاة زوجها المنظري سنة 1519، ونظرا لعدم جواز تولي المرأة للحكم بشكل رسمي، أصبحت تطوان تابعة لحكم الأخ الشقيق للسيدة الحرة، إبراهيم بن راشد حاكم شفشاون، لكنه في سنة 1525؛ عيّن أخته حاكمة فعلية لمدينة تطوان، لما أبانت عنه من حنكة ودراية في التدبيرين السياسي والعسكري؛ بعد ان انتقل من شفشاون إلى فاس ليصبح وزيرا ومستشارا للسلطان أحمد الوطاسي وقائدا لأركان حربه، وكان يوقع وثائق الاتفاقيات الدولية بتفويض من السلطان.

لقد كانت السيدة الحرة مؤثرة في توجيه القرار السياسي والدبلوماسي. وإلى جانب ذلك اهتمت بالجانب العسكري حيث نجحت في تأمين المدينة من التهديد الإيبيري الدائم، وشكلت جيشاً قويا تولى مهام الجهاد البحري؛ وجعلت من تطوان نموذجا إداريا وتدبيرياً قائم الذات على غرار العاصمة فاس…يتبع

*باحث في ملف الصحراء المغربية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.