تمغربيت:
الصادق بنعلال*
على الرغم من اختلاف وجهة نظرنا مع مجموعة من الخبراء والمحللين السياسيين إزاء التعاطي مع قضايا الوطن والعالم، إلا أننا لا نجد أي حرج في أن نتفق مع من ذهب منهم إلى أن “تشبُّعَ الرئيس الجزائري ومِنْ خلفِه أعضاء المجلس الأعلى للأمن، بالرفض لأي مبادرة عربية لرأب الصدع في العلاقات الجزائرية المغربية، لا يدل على حكمةٍ سياسيةٍ وطنيةٍ أو بعد نظر دبلوماسي، ولا عن حسّ استراتيجي يحفظ ماء الوجه، بقدر ما ينمّ عن تشنج وانفعال غير عقلاني، بسبب ما يبدو صدمةً كبرى متخيلةً منذ عقود”.
والواقع أن تهافت النظام العسكري الجزائري يتجسد في الأصل والفصل في الغياب الجذري للحكمة السياسية والنظرة الديبلوماسية الراجحة والحس الاستراتيجي الفعال، وإلا لكانت الجزائر بما منحتها لها الطبيعة من موارد نفيسة من أرقى الدول الأفريقية ذات القوة الضاربة بالمعنى الحقيقي وليس الخيالي.
وما من شك في أن دولا أفريقية عدة أخذت تشهد إقلاعا سياسيا واقتصاديا يثير الإعجاب، رغم أنها لا تتوفر على نفس الإمكانيات الطاقية والطبيعية للجزائر من قبيل: نيجيريا – رواندا – غانا – لإثيوبيا – كوت ديفوار، لا لشيء إلا لأنها حصلت على “الرقم السري” للانتقال الديمقراطي والصعود نحو القمة، وقررت السير قدما نحو تأهيل مواطنيها وإعدادهم لقطف ثمار التنمية والعدالة والحرية، وحاولت أن تضع جانبا كل الخلافات المصطنعة والمعارك الوهمية، التي كانت من ضمن أسباب التخلف والأزمات غير المنتهية.
أما الجزائر فقد ظلت سجينة الحسابات الماضوية والأوهام التاريخية البائدة، مما أصاب “عقلها” السياسي بالتكلس والتحجر والإفلاس، فلا هي أنجزت نسقا سياسيا مدنيا حديثا، يتماشى ومستلزمات القرن الواحد والعشرين، ولا هي تمكنت من بلورة نهضة تنموية توفر العيش الكريم للشعب، تمنعه من التفكير في ترك الجمل وما حمل، وتصُده عن الهجرة نحو القوى الأجنبية!
ولعل تلهف أصحاب القرار في الجزائر على عقد القمة العربية في أسرع وقت ممكن يترجم بجلاء رغبتها في “كسب” بعض “النجاحات” الديبلوماسية غير المجدية. فمن يصدق أن الجزائر “تسعى” إلى رأب الصدع العربي وهي ترفض تطبيع علاقاتها مع المغرب البلد الجار، الفاعل المحوري في المنظومة العربية والأفريقية والدولية؟
فلا أحد ينكر الآن مخاطر القرارات الانتحارية الصادرة عن “الذهنية” العسكرية الجزائرية، من إغلاق الحدود البرية والجوية وقطع العلاقات الدبلوماسية وإيقاف العمل بخط أنبوب الغاز المار إلى إسبانيا عبر المغرب، والرفض المطلق لأي وساطة قد تخفف من وطأة الأزمة الحادة غير المسبوقة بين القطرين المغاربيين والاتهامات الجنونية المضحكة المبكية.. أليس في النظام الجزائري رجل عاقل يدعو إلى انتهاج مسلك الاعتدال والتوازن، والنزول من قمة “الشجرة” لمناصرة قيم الحكمة؟
إن النظام العسكري ذهب بعيدا جدا في محيط الانعزالية المنغلقة والمواقف الحدية والقرارات “الصفرية”؛ التي تقف حجرة عثرة أمام الدعوة المغربية المفتوحة في أفق المصالحة غير المشروطة بين البلدين الجارين، وفي كل الأحوال لا يسعنا نحن – المحسوبين على الكتاب والمثقفين المستقلين – إلا التعلق بالأمل وانتظار أن يطل علينا عقلاء من أشقائنا الجزائريين، يسعون إلى البحث عن الحلول الأخرى، حيث حتمية الانفتاح والاستقرار والعمل المشترك والاحترام المتبادل.
*إعلامي وباحث أكاديمي