تمغربيت:
مصطفى البختي*
يعتبر إعلان رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز استقباله لبن بطوش، على هامش القمة السادسة بين الإتحادين الأوروبي والإفريقي؛ نشازا عن موقف الإتحاد الأوروبي الذي لا يعترف بالحمهورية الوهمية؛ وحضورها مرتبط فقط بمقعدها “المؤقت” داخل الاتحاد الإفريقي، وهو التواجد الذي يشكل تناقضا مع معايير الأمم المتحدة.
هذه الإزدواجية في الموقف الإسباني هي انعكاس لنمط تفكير الساسة في مدريد، ومحصلة لسياسة الكواليس التي تربطه بنظام الثكنات الجزائري، في إطار توافقات تجتمع على العداء لدولة في حجم المغرب
وتعتبر قضية بن بطوش، التي كانت السبب في تفجير أزمة دبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، إحدى سياسات الكواليس والاتفاقات السرية التي تجمع إسبانيا (كمتوجس عاقل يتعامل بغموض وازدواجية مع المغرب نتيجة العلاقات المترابطة والمتشابكة والمعقدة بين البلدين) مع نظام بن عكنون في الجزائر الذي يعلن عدائه للوحدة الترابية للمغرب ولكل ما هو مغربي؛ في إطار ترسيخ العقدة المغربية التي يتداخل فيها البعد التاريخي والديني وطبيعة النظام والتنوع الثقافي الذي يتميز به المغرب؛ هذا إضافة لموقعه الجغرافي الإستراتيجي.
في هذا السياق، منح نظام الثكنات الجزائرية لإسبانيا تخفيضا يصل إلى نحو 49 في المائة من القيمة الحقيقية للغاز الجزائري؛ في مقابل السماح لبن بطوش بولوج مستشفى لوغرونيو. ومن ضمن الإتفاق أيضا قبول الجزائر نصف المبلغ المحدد في أكتوبر 2020 وهو 30 ألف مليون دولار، أي بتخفيض 50% ليصبح 15 ألف مليون دولار؛ وهو الإتفاق الموقع بين Naturgy الإسبانية وSonatrach الجزائرية.
فإذا كان النظام العسكري الجزائري يعمل جاهدا للمس بالوحدة الترابية للمغرب؛ فإن إسبانيا تعمل في نفس الإتجاه لإطالة أمد النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية؛ مع محاولة تدبير علاقاتها المتشابكة مع المغرب؛ حيث تعتبر أن حسم المغرب لملف الصحراء سيجعله يتوجه، يقيناً، لفتح ملف سبتة ومليلية والجزر الجعفرية المحتلة.
وترى مدريد ضرورة الأخذ بعين الاعتبار مسألة الهجرة غير الشرعية والتي لا يمكن تدبيرها بدون الدور المغربي؛ وأيضا تدبير المصالح الإقتصادية والتجارية بين البلدين؛ هذا بالإضافة إلى التعاون الأمني والإستخباراتي في محاربة التطرف والإرهاب والجريمة المنظمة.
إن عدم استقرار العلاقات بين المغرب وإسبانيا هو نتاج لمواقف مدريد الغامضة والمزدوجة والتي تتجلى في ادعائها مع إيجاد حل عادل ودائم تحت مظلة الأمم المتحدة، مع استمرار أذرعها السياسية والإعلامية والغير حكومية في دعم الأطروحة الانفصالية إضافة إلى تسهيلات تقدم لانفصاليي البوليساريو داخل التراب الإسباني؛ على شاكلة بن بطوش غايت ben batouch gate والتي أضرت بصورة القضاء الإسباني؛ الذي حاول تبرير تورط الجهازين التنفيذي والقضائي الإسبانيين بعدم رجعية القوانين؛ التي تدخل ضمن خانة التفاقات السرية بين مناوئي المصالح المغربية.
إن سياسة الكواليس بين إسبانيا والجزائر ليست بدعة جديدة في العلاقات بين البلدين؛ فقد سبقتها اتفاقات سرية في توافق ممنهج للمخططات العدائية للوحدة الترابية للمغرب بين الطرفين:
وبالعودة إلى التاريخ نسجل أنه عندما تقدم المغرب بتاريخ 23 شتنبر 1974، بطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وإلى الحكومة الإسبانية، لإحالة ملف الصحراء المغربية على محكمة العدل الدولية في لاهاي، لتبدي رأيا استشاريا لتعزيز مطالبه بحقوقه التاريخية على الإقليم، وبعد أن وافقت الجمعية العامة على الطلب المغربي، اتفق الطرفان الإسباني والجزائري على خلق دويلة وهميـة بتندوف تكون تحت سيطرتهم لعرقلة استكمال المغرب لوحدته الترابية.
وبعد أن توصل تقرير لجنة تقصي الحقائق بوجود علاقات خاصة بين المملكة المغربية والصحراء، كما أن الصحراء ليست منطقة مستعمرة؛ وأنها جزء من تراب المغرب، وقعت تحركات أعقبتها دسائس سرية لكل من إسبانيا والجزائر داخل أروقة الأمم المتحدة أدت إلى صدور قرار غامض عن محكمة العدل الدولية مزجت فيه بين اختصاصها القانوني في رأيها الإستشاري؛ بمسائل سياسية لا تدخل في اختصاصاتها.
أمام هذا الوضع قام المغرب بتنظيم المسيرة الخضراء كإبداع سياسي لاستكمال وحدته الترابية وقطع الطريق أمام مناورات خصوم وحدته الترابية. وهي الملحلمة التي سبقتها مناورات إسبانية-جزائرية لدفع الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل بطلب لدى المغرب لمنعه بالقيام بهذه الخطوة التحريرية؛ وترك القضية لدى الهيئة الأممية.
وبعد فشل هذه المناورات ونجاح المسيرة الخضراء؛ أعلنت الجزائر رفضها الصريح للمسيرة الخضراء؛ معتبرة أنها تهدد أمن المنطقة المغاربية. والحقيقة أن المسيرة الخضراء قضت على أحلام النظام الجزائري للوصول إلى المحيط الأطلسي ومحاصرة البعد الإفريقي للمغرب كعقدة تاريخية يعاني منها نظام بن عكنون.
كان هذا جانب من التنسيق الإسباني الجزائري في انتظار التفصيل في هذه العلاقة المشبوهة والتي تداخل فيها الاقتصادي بالمالي بالسياسي…اجتمعوا ليصنعوا عقيدة العداء للمغرب…
*باحث في قضية الصحراء المغربية